ولقد إجتمع المسلمون علي إستحباب إستلام الركنين (الركن اليماني والحجر الأسود) بل ويسن أن تقبل الحجر الأسود كما فعل المصطفي صلى الله عليه وسلم فإن إستطعت أن تقبل الحجر فإفعل وإن عجزت فمس الحجر بيدك ولا بأس أن تقبل يدك وهكذا فعل المصطفي صلى الله عليه وسلم فإن عجزت أن تمس الحجر بيدك فأشر إلي الحجر بيمينك من أي موطن كنت في صحن الطواف و قل (الله أكبر اللهم إيمان بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك وإتباعا لسنة نبيك صلي الله عليه وسلم ) وسرعة الطواف ولا يجوز لك أن تزاحم المسلمين والمسلمات لتقبل الحجر فإن تقبيل الحجر سنة وإن عدم إذاء المسلمين فريضة فالله الله أن تضيع فريضة من أجل سنة
فقبل الحجر وأسرع الطواف و يبدأ الشوط من عند الحجر حتي تنتهي إلي الحجر مرة أخري وأدعو الله جل وعلى بما شئت
وأعجب لأناس يحملون الكتب بين أيديهم وربما يقرأون ولا يعرفون ما يقرأون إن الله لا يحتاج منك إلي هذا بل أخلص الدعاء إلي الله عز وجل
ولو بدعوة واحدة خالصة يقبلها الله جل وعلى من قلب طائع خاشع فإن الله لا يقبل الدعاء من قلب غافل ويسن أن تدعوا الله بين الركن اليماني والحجر الأسود بهذا الدعاء الجامع (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)
حتي إذا أنهي النبي الطواف رمل ثلاثا ومشي أربعة (الرمل هو إسراع الخطي مع تقارب المشي ) وأمر النبي الصحابة أن يرملوا لأنه كما ورد في صحيح مسلم عن حديث بن عباس قال :
" المشركون يقجموا عليكم غدا قوم قد وهنتهم همي يثرب "
فأمرهم النبي أن يرملوا وأن يكشفوا الكتف الأيمن فلما رأوهم المشركون يرملوا في الأشواط الثلاثة الاول قالوا :"هؤلاء الذين زعمتم أن الحمي قد وهنتهم إنهم أجلد من كذا وكذا " , يقول بن عباس :
" لم يمنعه أن يأمرهم بالرمل في الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم فرمل ثلاثا ومشى أربع"
"....فلما أنهي الطواف ذهب إلي مقام إبراهيم فجعل المقام بينه وبين الكعبة فصلي ركعتين قرأ في الركعة الأولي (قل يا ايها الكافرون ) وقرأ في الركعة الثاتية (قل هو الله أحد) ثم عاد إلي البيت فإستلم الركن ثم إنطلق إلي الصفى وهو يتلو قول الله جل وعلى
{ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } [ البقرة/158
ثم قال : أبدأ بما بدأ به الله جل وعلى ورخى علي الصفا وبدأ المصطفي صلى الله عليه وسلم إلتقت إلي الكعبة ورفع يديه إستقبل الكعبة ورفع يديه فهلل الله ووحده وكبره وقال :لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك ولهالحمد وهو علي كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده , ثم دعي بين ذلك وفعل ذلك ثلاث مرات ثم بدأليسعي بين الصفا والمروة حتي أتي بين الميلين فهرول هرولة سريعة حتي كان الرداء يلتف علي ساقي صلي الله عليه وسلم حتي إذا رخي إلي المروة ففعل عليها مثلما فعل علي الصفا وهكذا حتي أنهي سبعة أشواط و فيالشوط الأخير وقف النبي علي المروة وقال :
" لو إستقبلت من أمري ما إستكبرت ولم أسق الهدي وجعلتها عمرة "
فأمر النبي أصحابه من لم يسوق الهدي أن يحلوا وأن يفعلوها عمرة فقام صراخة بن مالك فقال : يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبك النبي بين أصابعه وقال :
" دخلت العمرة في الحج لأبد الأبد"
يقول جابر :
".... فقصر أصحاب النبي وأحلوا إحرامهم ولم يبقى إلا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين ساقوا الهدي معه من المدينة المنورة...."
فبهذا يكون صلى الله عليه وسلم قد أدى مناسك العمرة
يقول جابر بن عبد الله :
"... فلما كان يوم التروية (اليوم الثامن من ذي الحجة) ركب النبي صلى الله عليه وسلم القسواء ورحل إلي (منا) فأهل بالحج فصلى بمنا الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم إنتظر قليلا وأمر أن تضرب له قبة من الشعر في (نمرة) فضربت له فركب النبي القسواء وإنطلق إلي (عرفة) ...."
هذا هو يوم عرفة , فمضي النبي صلى الله عليه وسلم وقريش تظن إنه سيقف عند (المشعل الحرام) كما كانت تصنع في الجاهلية
".... فمضى النبي حتى
أتى (عرفة) فوجد القبة قد ضربت له ب(نمرة) فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقسواء فرحلت له فركب النبي القسواء حتى أتى (بطن الوادي) (أي وادي عرفة) وركب النبي القسواء وخطب في الناس تلك الخطبة العصماء ومن أجمل ما قال فيها صلي الله عليه وسلم :أيها الناس إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا , ثم قال : إن كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي فدماء الجاهلية موضوعة وإن أول دم أضع من دمائنا دم بن ربيعة بن الحارث وإنني أضع ربا الجاهلية تحت قدمي وإن أول رباً أضع ربانا ربا العباس بن عبد المطلب , ثم قال : إستوصوا بالنساء خيرا فإنكم أخذتموهن بأمان الله وإستحللتم فروجهن بكلمة الله...."
فأنظر إلي عظم هذه الأمانة في هذا المشهد العظيم فلا ينسى النبي أن يذكر الرجال بالنساء
"....إستوصوا بالنساء خيرا فإنكم أخذتموهن بأمان الله وإستحللتم فروجهن بكلمة الله , ثم قال تركت فيكم ما إن إستمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله .......إلي آخر الخطبة ,ثم إلتفت إلي الناس وقال :إنكم ستسألون عني يوم القيامة فماذا أنتم قائلون؟ , فقالوا : نشهد أنك قد أديت وبلغت ونصحت , فرفع النبي السبابة إلي السماء يمكثها على الناس وهو يقول :اللهم إشهد اللهم إشهد اللهم إشهد , ثم أذن وأقيمت الصلاة وصلى النبي الظهر ثم أقيمت الصلاة فصلى العصر قصرا وجمعاً ثم ركب القصواء فذهب إلي الوادي (أي وادي عرفة) بالقرب من الصخرات وقال: وقفت هاهنا فعرفة كلها موقف , ورفع النبي يديه يدعو الله جل وعلى حتى زالت الشمس...."
حتى ورد في الصحيح : أن خطام الناقة وقع من يده صلي الله عليه وسلم فأحنى النبي نفسه ومد يده ليأتي بالخطام ورفع يده الأخرى يدعوا بها الله جل وعلى.
فإنه يوم عرفة يوم الدعاء يوم تسكب فيه العبرات وتتنزل فيه الرحمات ويباهي في حجاج بيت الله الحرام رب العزة جل وعلى الملا ئكة والحديث حسن يقول :
" أنظروا عبادي أتوني شعثا غبرا من كل فج عميق وعزتي وجلالي اشهدكم بأني قد غفرت لهم"
وفي صحيح مسلم عن حديث عائشة أنه صلي الله عليه وسلم قال :
" ما من يوم أكثر من أن يعتق الله عبيداً من النار من يوم عرفة "
فهو يوم يعتق فيه الله عبيده من النار و يذوب فيه الشيطان كما يذوب الملح في الماء فهو يوم التضرع يوم الدعاء يوم تتنزل فيه الرحمات من رب الأرض والسموات ويرجع الحجاج إن صدقوا بمغفرة الله جل وعلى
"....و ظل النبي صلى الله عليه وسلم يدعوا الله حتي غربت الشمس وذهبت الصفرة فركب القسواء وإنطلق إلى (المزدلفة) بين مئةألف حاج وهو يشير بيده إلي الناس ويقول : أيها الناس السكينة السكينة...."
ولك أن تتخيل أن مئة ألف يستمعون إلى هذه الكلمة من رسول الله فيسكن الجميع وينطلق هذا الموكب المهيب بقيادة المصطفى صلى الله عليه وسلم
"....حتي يصل إلى (المزدلفة) فيصلي بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين جمعاً وقصراً ولم يسبح بينهما شيئا (أي لم يصلي النافلة) ونام المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى صلى الفجر ب(مزدلفة) ثم إنطلق إلى
المشعل الحرام فوحد الله وهلله وكبره وذكر الله كثيرا حتى أسفر جده ثم إنطلق إلى (منا) فرمى الجمر بسبع حصيات ويكبر الله مع كل حصى ثم أتى بيته...."
كما في مسند أحمد في صحيح مسلم من حديث عائشة :
" ثم أتى بيته فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده صلي الله عليه وسلم ثم قال للحلاق :إحلق , فحلق الحلاق شقه الأيمن ثم الأيسر وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يجمع شعره الشريف ويوزعه على الصحابة رضوان الله عليهم"
يقول جابر بن عبد الله :
"....ثم أفاض النبي إلى مكة وما سئل النبي يومها عن شيء قدم أو أخر إلا قال إفعل ولا حرج , ثم إنطلق النبي إلى مكة فأفاض بالبيت (أي طاف طواف الإفاضة وهو ركن بإجماع وإتفاق المسلمين ) ثم صلى الظهر بمكة وذهب إلى بني عبد المطلب وهم ينزعون على زمزم (أي يسقون الناس) فقال المصطفى : إنزعوا بني عبد المطلب فوالله لولا إني أخشى أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم , فناولوا الحبيب دلواً فشرب صلى الله عليه وسلم...."
وإلى هنا ينتهي حديث بن جابر
تقول عائشة كما في صحيح مسلم وسنن أبي داوود ومسند أحمد :
" عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى (منا) فقضى بها ليالي وأيام التشريق يرمي الجمرات الثلاث كل جمرة بسبع حصايات إذا زالت الشمس"
ويجب أن نعلم أن النبي ما خير بين أمرين إلا وإختار أيسرهما فيجب أن نمتثل فعله صلى الله عليه وسلم فلا نرمي بعد صلاة الفجر أو بعد ذلك وإنما نرمي إذا زالت الشمس كما فعل الحبيب ويمتد وقت الرمي إلى آخر الليل كما قرر علمائنا رحمهم الله جميعا
وهكذا يقف النبي عند الجمرة الأولى والثانية فيتضرع إلى الله ويدعو طويلاً فإذا ما رمى الجمرة الثالثة إنصرف ولم يدعو الله جل وعلى وقضى النبي ايام التشريق الثلاثة في (منا) حتى إذا أنهى أيام التشريق عاد مرة أخرى إلى مكة فطاف بالبيت طواف الوداع كما يقول بن عباس :
" إذ أن الناس كانوا ينصرفون بعد أيام التشريق فقال المصطفى :" لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت( أي يطوف بالبيت طواف الوداع)"
وهكذا حج النبي صلى الله عليه وسلم وأريد في عجالة أيها الأحبة أن أنبه أن زيارة المسجد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام ليست من اركان الحج ولا من واجبات الحج ولا من سنن الحج ولكن من يسر الله له فمن الجفاء أن يذهب هناك ولا يذهب لزيارة المسجد النبوي ليسلم علي المصطفى صلى الله عليه وسلم فإننا لا نشد الرحال إلا للمساجد الثلاثة ومن بينها مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن الأدب أن لا تمس يدك غرفة الحبيب أو قبر الحبيب وأن لا يعلو صوتك في مقام الحبيب صلى الله عليه وسلم
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } [ الحجرات/2]
فلا يرفع الصوت في حضرته ولا في قبره بعد ان توفاه الله , وقد رأى عمر بن الخطاب رجلان يرفعان أصواتهما في المسجد فعصبهما وأشار إليهما فأقبل إليه
قال :"من أنتما ومن أي البلاد؟ , قال: من الطائف , قال: ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله والله لو علمت أنكما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا"
فلا يجوز لك أن ترفع صوتك في مسجد الحبيب ولا أمام قبره وسلم عليه بأدب ويكفي أن تقول السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تنحرف يميناً لتسلم على صاحبه أبي بكر رضي الله عنه (السلام عليك يا ابا بكر) ثم تنحرف يمينا لتسلم على عمر بن الخطاب رضوان الله عليه وعلى جميع أصحاب رسول الله فإذا ما سلمت على الرسول وصاحبيه إلتفت بوجهك إلى القبلة وإرفع أكف الضرعة إلى الله وسل الله جل وعلى لا تسأل المصطفى فلا تسأل ولي ولا نبي إنما سل الله جل وعلى الذي بيده كل شيء فإذا سألت فسأل الله وإذا إستعنت فإستعن بالله وإعلم أن الأمة لو إجتمعت
على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك و أعلم بأن الأمة لو إجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك بشيء إ لاقد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف